استكشاف كوكب المريخ: مسار مسبار برسفيرنس والبحث عن الحياة
في فبراير 2021، دخلت مركبة الهبوط الحاملة لمسبار المجال الجوي لكوكب المريخ، مع كل التوتر والترقب في غرف التحكم. كانت تلك اللحظات الحرجة، المعروفة بـ "سبع دقائق الرعب"، حيث كان على فريق ناسا والوكالة الوطنية الفرنسية للفضاء أن يترقبوا بتوتر هبوط المسبار برسفيرنس على سطح الكوكب الأحمر. كان الجميع يأمل أن ينجح الهبوط بسلاسة، حيث كان مسبار برسفيرنس يحمل معدات فائقة التطور لمهمة استكشاف آثار الحياة القديمة على المريخ.
تلك الدقائق السبع كانت الأطول والأقصر في حياة الفريق. بعد الهبوط، استقبلوا الصورة الأولى من المريخ، مما أكد أن المسبار كان سليماً ويعمل بكفاءة. كانت مهمة هذا الروبوت هي كشف أسرار الكوكب الأحمر، إذ تم إرساله ملايين الأميال بعيداً عن الأرض للمساعدة في الإجابة على سؤال مثير: هل كانت هناك حياة قديمة على سطح المريخ؟
كوكب المريخ لطالما أثار اهتمام علماء الفلك، لكن سؤال وجود حياة ذكية هناك لم يُطرح إلا في القرن التاسع عشر، عندما اكتشف عالم الفلك الإيطالي جيوفاني سكياباريلي القنوات المريخية المزعومة. اعتقد عالم الفلك الأمريكي بيرسيفال لويل أن هذه القنوات كانت مبانٍ صناعية، مما أدى إلى ولادة أسطورة المريخيين. منذ الستينيات، بدأت وكالات الفضاء في إرسال معدات لاستكشاف سطح المريخ، لكنها لم تحقق نجاحًا يُذكر حتى عام 1976.
في ذلك العام، قامت مهمة فايكينج بإجراء ثلاث تجارب بحثاً عن حياة عضوية على المريخ، لكنها لم تعثر على أي شيء مما أدى إلى تراجع الاهتمام بكوكب المريخ. ومع ذلك، بدأت عدة مركبات جوالة في استكشاف التربة المريخية، مثل مركبة باثفايندر التي حملت مسبار سوجورنر، والتي أظهرت أن المياه كانت تتدفق على سطح المريخ في وقت ما. ثم جاء مسبار كيوريوسيتي في عام 2012، وكانت مهمته تحديد ما إذا كانت المياه قد أوجدت ظروفًا مناسبة لنشوء الحياة.
مسبار برسفيرنس يمثل المرحلة التالية في هذا الاستكشاف. حمل المسبار العديد من التطورات التكنولوجية، بما في ذلك كاميرات متخصصة، وأجهزة قياس الطيف، وأجهزة ليزر ورادار قادر على اختراق الأرض. كما كان لديه ذراع آلية لاستخراج وتخزين عينات الصخور. استغرق تطوير مسبار برسفيرنس ست سنوات، تلاها سبعة أشهر من الرحلة إلى المريخ.
تتمثل أكبر التحديات التي واجهها مسبار برسفيرنس في الظروف القاسية على كوكب المريخ، مثل درجات الحرارة المتطرفة. كان يتعين على المسبار توليد طاقته بنفسه باستخدام مولد طاقة نووية، مما يضمن استمرار تشغيله ومعداته على سطح المريخ لأعوام.
عندما تم إعداد مسبار برسفيرنس، لم يكن مشروعًا أمريكيًا خالصًا. فقد تم تصنيع العديد من أجزائه في مختلف أنحاء العالم. على سبيل المثال، تم تطوير جهاز سوبر كام بالتعاون مع خبراء فرنسيين. يعمل هذا الجهاز باستخدام شعاع ليزر قوي يمكنه صهر جزيئات الصخور الصغيرة، مما يساعد في تحديد تركيبها الكيميائي.
تحتوي المريخ على تضاريس فريدة تشبه تلك الموجودة على الأرض. قد تكون هذه الخصائص الجغرافية مكانًا مثاليًا للتدريب على السفر إلى الفضاء، بما في ذلك استكشاف المريخ. عمل العلماء على محاكاة الظروف المريخية على الأرض، مما يساعدهم في التحضير لمهام الفضاء المستقبلية.
كان الكوكب الأحمر يشبه الأرض في بدايته، حيث وُجدت الأنهار والبحيرات. ولكن تغير الوضع قبل 3.7 مليار سنة، حيث اختفى الغلاف المغناطيسي للكوكب، مما أدى إلى فقدان الغلاف الجوي وتحويل المريخ إلى مكان متجمد. الآن، يسعى العلماء إلى تحديد ما إذا كان المريخ قد احتفظ بأي آثار من ماضيه.
عندما بدأت مهمة مسبار برسفيرنس، كان على الفرق من الوكالة الوطنية الفرنسية للفضاء ووكالة ناسا التكيف مع توقيت المريخ، حيث يستغرق اليوم المريخي (سول) 24 ساعة و39 دقيقة تقريبًا. كانت المهمة تستمر لمدة ثلاث سنوات، وإذا فشل المسبار قبل انتهاء هذه المدة، فإن ذلك سيعتبر فشلاً.
يمتلك مسبار برسفيرنس نظام توجيه ذاتي، مما يمكّنه من القيادة بشكل مستقل على سطح المريخ. يتخذ المسبار صورًا للمنطقة أمامه، ويستطيع القيادة مسافة تصل إلى 300 متر في اليوم. تُرسل المعلومات التي يجمعها المسبار إلى الأرض كل ليلة، مما يسمح للعلماء بتحليل البيانات وتوجيهه في اليوم التالي.
بعد أن هبط المسبار في فوهة جزيرو، وهي منطقة منخفضة تشكلت بفعل سقوط نيزك، بدأت أولى المهام في دراسة تربة المريخ. اختارت وكالة ناسا هذا الموقع لأنه كان المكان الأكثر احتمالًا للعثور على بقايا متحجرة لحياة سابقة. كان وجود دلتا يعني وجود نهر، مما يشير إلى أن المياه كانت تتدفق نحو بحيرة.
تظهر الصور الملتقطة من كاميرا المسبار وجود طبقات جيولوجية متنوعة. لكن الاستكشاف لم يكن سريعًا، حيث تحرك المسبار بمعدل 12 مترًا يوميًا. لذلك، تم إدخال مروحية إنجينيوتي لتعزيز الحركة والاستكشاف، حيث قامت بأول رحلة طيران على كوكب آخر.
واجهت مروحية إنجينيوتي تحديات عدة، منها كثافة الغلاف الجوي المنخفض على المريخ ودرجات الحرارة القاسية. بعد عدة رحلات ناجحة، أثبتت مروحية إنجينيوتي فائدتها كطائرة استطلاع لمساعدة مسبار برسفيرنس في مهمته الرئيسية.
يبحث العلماء عن آثار الحياة من خلال دراسة المعادن الطينية القديمة. في حال وجود حياة يومًا ما على سطح المريخ، فإن هذه المعادن قد تحتوي على مكونات عضوية. أجرى مسبار برسفيرنس أول عينة من التربة، آملين أن تحتوي على آثار لمواد عضوية.
يتطلب تخزين العينات وتعاملها تقنيات متقدمة، حيث يجب أن تُحفظ بأمان لمدة طويلة. يأمل العلماء في استعادة هذه العينات يومًا ما لإجراء تحليلات معمقة على الأرض. هذا يعد مشروعًا طموحًا، حيث يتطلب تقنيات معقدة لجمع العينات وإعادتها إلى الأرض.
تتضمن المهمة أيضًا دراسة ظروف الحياة على المريخ، حيث يحمل المسبار جهازًا يسمى موكسي، الذي يحول جو المريخ إلى هواء قابل للتنفس. حتى الآن، نجح موكسي في إنتاج كميات صغيرة من الأكسجين، مما يفتح آفاقًا جديدة لبعثات بشرية مستقبلية.
يهدف استكشاف المريخ إلى تحديد ما إذا كانت الحياة قد نشأت هناك يومًا ما. إذا تم العثور على آثار للحياة، حتى لو كانت متحجرة، سيكون ذلك دليلاً على وجود شكل آخر من الحياة في الكون.
التحديات التي تواجه البشر في محاولة الهبوط على المريخ كبيرة، لكن الجهود مستمرة لتحقيق هذا الهدف. إن حلم الذهاب إلى كوكب المريخ هو تحدٍ للقرن الحادي والعشرين، ويتطلب التخطيط الدقيق والتعاون الدولي.
في النهاية، يمثل مسبار برسفيرنس رمزًا للمثابرة والابتكار في السعي للكشف عن أسرار الكون. يساهم هذا البرنامج العلمي في تحقيق أحلام البشرية بإمكانية الحياة خارج كوكب الأرض، مما يعزز الأمل في المستقبل ويشجع على الاستمرارية في البحث والاكتشاف.